مقالات تهمك

نوابنا.. كيف تحولوا من المساعدة إلى المنافسة ؟

بقلم – أحمد صباح السلوم

تحدثني نفسي كثيرا عن بعض الأخبار التي تسبب لها حيرة بالغة ترفض معها تقبل هذه الأخبار سواء منطقيا أو عمليا أو وطنيا، ولعل أبرز ما دار في ذهني هذا الأسبوع هو مسألة الرواتب التقاعدية للنواب والامتيازات الأخرى التي يحصلون عليها أو تلك التي أصدروا تشريعات لأنفسهم للحصول عليها، وفي الحقيقة لست وحدي من أراها دربا من دروب استغلال الوطن والمواطنين وأنانية مفرطة في تغليب مصالحهم على مصالح باقي الشعب البحريني.. فرئيس مجلس الشورى السيد علي الصالح ونائبه الأول جمال فخرو وربما قلة من أعضاء المجلسين أصيبوا بنفس حالة الرفض، كما أن العديد من كبار العائلات البحرينية والتجار والأعيان على نفس حالة الرفض المبرر لهذه الأفكار والقرارات.. وأشهروا اعتراضاتهم على هذه القرارات غير المستساغة بالمرة.

فكرة أن شخص مهما كان عمله وجهده (وجميعنا يرى النواب ومستوى أداءهم في هذه الدورة) يحصل خلال 4 سنوات على امتيازات لا يحصل عليها المواطن البحريني إلا بعد 45 سنة من العمل والكد، رغم أن هذا المواطن قد يكون طبيبا أو مهندسا أو ضابطا أو جنديا أو معلما أو صحفيا أو غيرها من المهن التي لا تقل أهمية عن دور النائب في بناء الوطن وتطويره، فاعتقد أن هذا قمة الظلم للمواطن وللوطن بالتبعية.

نائب يقضي 4 سنوات في البرلمان يحصل على راتب تقاعدي أكثر من 3 آلاف دينار وهو تقاعد لا يحصل عليه موظف عادي قضى أكثر من 45 عاما في الخدمة !!

علما بأن النائب نفسه قد يكون لديه تقاعد من جهة أخرى وعدد كبير منهم ينطبق عليه ذلك.. كما أنه يحصل على مكافأة نظير خدمته بالمجلس وليس راتبا، وبالتالي هناك خلل واضح في منحه راتبا تقاعديا عن فترة وجيزة من العمل يحصل خلالها على مكافأة !!

نفس النائب الذي قضى 4 سنوات في البرلمان – ربما قد أدى فيهم وأحسن الأداء وربما قد أساء أو لم يؤد الدور المطلوب منه – لم يكتف هذا النائب بالحصول على جواز سفر خاص له لوحده بل أصدر تشريعا تحصل بموجبه أسرته كاملة لجوازات سفر خاصة، ما هذا الإسراف في الفعل والتشريع ؟ ماذا فعل أبناءكم وزوجاتكم للوطن حتى يحصلون على جوازات سفر خاصة دونا عن باقي أبناء شعب البحرين؟ هل هذه دعائم العدل والمساواة والخدمة التي تقدمونها للشعب الذي انتخبكم !! أمر في منتهى الغرابة والعجب ولا يوجد له مثيل في العالم أجمع !!

بدلا من أن يقول النائب مثلي مثل الناس ويرفض الجواز الخاص ويحمل جوازا عاديا كباقي الشعب ليستشعر حياة الناس العادية وما قد يصادفونه من مشاكل فيتلمسها ويحلها، راح يشرع الامتيازات الواحد تلو الآخر لنفسه ولزوجته ولأبنائه ويبدو أنهم لو طالوا لفعلوا لباقي العائلة !!

حالة الاستغراب من التصرفات التي ليس لها مثيل لم تقف عند هذه الحدود، وبدلا من أن يساعد النواب التجار وأصحاب الشركات في أعمالهم، صاروا إلى منافسين لهم في أرزاقهم، لست معترضا على أن النائب يكون تاجرا أو يدير عملا خاصا، فهذا ربما يكون عمله من البداية (رغم أنه الآن يحصل على مكافأة كبيرة نظير كونه نائبا في البرلمان)، لكن الأمر والأدهى من ذلك هو استفادة النائب من مكانه في الحصول على تراخيص أعمال ومهن قد يسعى المواطن العادي للحصول عليها في سنوات ولا يحصل.

لكن البعض للأسف يذهب للوزراء وفي يده الطلبات الخاصة والسجلات والرخص التي قد تكون متوقفة منذ سنوات، هذا لنفسه وهذا لزوجه وبعضهم لأبنائه وأقاربه، شاهرا أمام المسئولين قوة سلطاته، فتجد النائب لديه “ما لذ وطاب” من السجلات التي قد يصعب على التجار الحصول عليها !!

أنت كنائب هل سألت نفسك يوما.. كيف تطالب الشعب أن يتحمل رفع الدعم عن اللحوم والدواجن وزيادة سعر البنزين والبعض زاد عليه سعر الكهرباء والمياه أيضا، وتأتي أنت لتحصل لنفسك على جميع هذه الامتيازات ؟!! فهل دخلت المجلس لأجل هذا ؟!

الدولة نفسها كيف توافق على منح النائب جميع هذه الامتيازات ؟!! راتب وسيارة وكذا وكذا ثم تقاعد بهذا الشكل، من أين أتيتم بهذه الأفكار ؟؟ لوردات لندن وبارونات أمريكا لا يحصلون على مثل هذه الامتيازات الخيالية، في الدول العربية من هم أغنى من البحرين ومن هم أكثر خبرة في هذا المجال لا يفعلون ذلك ولا نصف ذلك، ولا اعتقد أن نواب البحرين يقدمون أداء خيرا منهم ولا هم أكثر من أولئك علما وثقافة وخبرة، ولا نحن أغنى من بريطانيا وأمريكا !!

ثم أن الفكرة نفسها في غاية العجب .. شخص يٌنتخب من الناس للدفاع عن مصالحهم ورقابة الجهاز التنفيذي للدولة، فيذهب يشرع لنفسه دونا عن باقي الشعب الذي انتخبه قوانين تمنحه امتيازات لا أنزل الله بها من سلطان تفوق ما يحصل عليه موظفي الدولة وهو ليس بموظف ولا يفترض له أن يكون !!

كم ستكلف هذه الرواتب خزينة الدولة شهريا؟  وهل هي دستورية بالأساس ؟ وما حجم الإرهاق المترتب على صندوق التأمينات الاجتماعية من جراء هذه الرواتب التقاعدية ؟ وما مدى تأثير ذلك على رواتب التقاعد لباقي موظفي وعمال البحرين من البسطاء ومتوسطي الحال ؟؟

ثم إن الفكرة نفسها تقضي على حماسة النائب وسعيه للعمل الجاد، لأنه بذلك سيضمن تعويضا وراتبا تقاعديا سواء أدى وأنجز أو لم يؤد ولم ينجز، أما إذا كان أداءه وعمله في خدمة أبناء دائرته هي المنفذ الوحيد لاستمراره كنائب في الدورات النيابية القادمة، فاعتقد أن أداءه سيختلف كثيرا عما لو ضمن الراتب التقاعدي في جيبه بجميع الأحوال!!

كل هذا في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من تبعات الوضع الاقتصادي وانخفاض سعر النفط، وتتجه لخفض النفقات ورفع الدعم عن الشعب.. فكيف لي كمواطن أن أقتنع بهذه الإجراءات، وسيادة النائب يمنح لنفسه وأسرته الامتيازات الواحدة تلو الأخرى ؟!

ابدءوا بأنفسكم حتى نتبعكم، كونوا قدوة لنا إذا تعذر لكم أن تدافعوا عن مصالحنا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى