مقالات تهمك

ثقافة ترشيد الاستهلاك .. وجذور ضريبة القيمة المضافة (1)

بقلم – أحمد صباح السلوم*

لا يوجد على الصعيد التجاري البحريني وربما الخليجي خلال الأسابيع الأخيرة ما هو أكثر حضورا وظهورا وتداولا بين رجال المال والأعمال من مصطلح “ضريبة القيمة المضافة”، هذا المصطلح الذي اقتحم علينا مجالسنا وأخبارنا وصحفنا ووسائل تواصلنا الاجتماعي، وبات الجميع يسأل “ماذا تعني هذه الضريبة؟ كم قيمتها ؟ كيف ستحصل من المستهلك ومن التاجر؟ والأهم ما هو مدى تأثيرها على الحركة التجارية وعلى الاقتصاد البحريني بشكل أعم؟ وعلى مستوى الخليج بشكل أكثر عمومية وشمولا؟ وهل هذه الضريبة هي الحل الناجح والعلاج الأمثل لحل مشاكل عجز الموازنة في معظم الاقتصادات الخليجية؟وهل سيكون من بعد تطبيقها الرخاء والرفاهية أم الندم والحسرة؟”.

أسئلة كثيرة وعديدة تطرح يوميا حول “الضريبة الجديدة” التي من المتوقع أن تطبق قريبا جدا (من المتوقع فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في دول مجلس التعاون الخليجي بداية العام المقبل)، لكن لعل من الملفت للنظر والطريف في نفس الوقت أنه عندما رجعت إلى أصل هذه الضريبة وأسباب “اختراعها” أو تقنينها وفرضها في دول أوروبا، وجدت أن السبب الرئيسي لفرضها كان من باب دعم أو نشر “ثقافة ترشيد الاستهلاك”، وفي الحقيقة كانت المعلومة مثيرة لجذب الانتباه حتى استدرجتني لقراءة المزيد عنها، ربما من واقع التضاد بين دفع الأموال وترشيد الاستهلاك إذا كان الأمران يقوم بهما نفس الشخص، وهما فعلان يبدوان مختلفين تماما.

لكن في حقيقة الأمر فإن هذه الضريبة التي تعرف في الغرب بضريبة “VAT” كان الغرض منها هو ترشيد الاستهلاك الزائد عن الحد لبعض السلع بحيث تُفرض على بعض السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها، في كل مرحلة من مراحل عملية الإنتاج، وبالتالي فإن خفض الاستهلاك وترشيده سيتولد عنه انخفاض في قيمة السلعة بالنسبة للمستهلك النهائي، وخاصة أنها كانت تفرض في البدايات على الطبقات الثرية في المجتمعات الأوروبية وخاصة فيما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وطبقت بالتدرج في عدد كبير من الدول، وكان الهدف الرئيسي منها هو توفير حصيلة من أموال للدولة للإنفاق على الفئات غير القادرة في أعقاب الحرب على حساب المقتدرين الذين يشترون السلع “المرفهة” وغير الضرورية، وهو ما يطلق عليه اصطلاحا “السلع الكمالية”.. وتقوم الشركات بتحديد هذه الضريبة واحتسابها وفقا للقانون، وتتولى تحصيلها لصالح الحكومة مع فواتير الدفع.. وبالطبع يتحمل المستهلك النهائي تكلفة هذه الضريبة كما هو معتاد ومعروف.

والفكرة في حد ذاتها كانت “رشيدة” ولها “وجاهة” بحيث أن الشخص الذي يشتري كيلوان من أي صنف من أصناف الطعام مثلا بخمسين ماركا أو جنيها أو دولارا مثلا ولا يستهلك إلا نصف هذا الطعام فقط ويفسد الباقي أو لا يستخدمه بالشكل الأمثل، يمكنه أن يشتري حاجته فقط بمبلغ أقل فيوفر ماله، وعندما تفرض الضريبة ويرتفع السعر سيكون أشد حرصا على شراء احتياجاته فقط دون زيادة فيقل إنفاقه الفعلي ولا تتأثر احتياجاته.. في حين تذهب الزيادة إلى “الحكومة” المفترض أن تكون “رشيدة” أيضا فتنفقها على مستحقيها من غير المقتدرين وضحايا الحروب أو في مشروعات تخدم الدولة ككل، وكانت أغلب دول أوروبا في انهيار تام في هذه الفترة، وتحتاج لمشروعات بنية تحتية شاملة ومتعددة.

مع الوضع في الاعتبار أن هذه الضريبة بعيدة كليا عن السلع التي تمس صلب احتياجات الفقراء من غذاء ودواء ومستلزمات التعليم في أحايين كثيرة.

وأخذت هذه الضريبة في الانتشار والتمدد حتى أصبحت من أنواع ضرائب الاستهلاك الأكثر شيوعاً حول العالم إذ تطبق في أكثر من 150 دولة..وتوقع تقرير صادر عن شركة “إرنست آند يونغ” للأبحاث والاستشارات الاقتصادية أن تولّد ضريبة القيمة المضافة عند فرضها بنسبة 5%، إيرادات تتجاوز 25 مليار دولار سنوياً لحكومات دول الخليج.. وأوضحت أن توافر الإيرادات الضريبية سيتيح لدول مجلس التعاون الخليجي تعديل سياساتها الضريبية وزيادة الاستثمار في البنية التحتية.. وهو استنتاج يتوافق مع ما سبق ذكره في تأثيرها  ونتائجها على دول أوروبا.

* رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى