مقالات تهمك

تجربة تاجر عملاق .. ماذا يمكن أن نستفيد ؟

بقلم – أحمد صباح السلوم*

كيف تحقق النجاح والتفوق التجاري؟ كيف تحول شركة صغيرة إلى امبراطورية عملاقة؟ كيف تقود أكبر عدد من المؤسسات التجارية والمصرفية والسياحية بكفاءة عالية وترفعها إلى مستويات أعلى وأرقى من الربحية والأداء؟

اعتقد أن برنامج “رواد” التليفزيوني الذي استضاف السيد فاروق المؤيد رجل الأعمال البحريني الكبير ضمن حلقاته مؤخرا كان جديرا به أن يكون على تليفزيون البحرين الوطني ليعطي درسا في أخلاقيات العمل التجاري وأساليبه الراقية لكل أبناء البحرين، فالبرنامج الذي أذاعته قناة “سكاي نيوز العربية” وتم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي في البحرين على نطاق واسع الأسبوع الماضي، وما سرده خلاله السيد فاروق المؤيد من أحاديث وذكريات ونصائح كانت بمثابة “وصفة سحرية” لصغار التجار ورواد الأعمال في كيفية تحقيق النجاح، وتحويل محل صغير لبيع الأجهزة الكهربائية وبعض المواد الغذائية إلى مجموعة تجارية ضخمة تمتد أعمالها إلى العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية في المملكة وعلى رأسها قطاعات المقاولات والإنشاءات والعقارات والسيارات والتجارة العامة، ويقدر حجم أعمالها حسب إحصائيات عام 2015 بنحو 750 مليون دولار أمريكي، تمتلك أكثر من 300 وكالة تجارية لأسماء عالمية كبرى وتوظف نحو 7 آلاف عامل.. والأهم من ذلك هي نسبة النمو المرتفعة التي تحققها المجموعة عاما تتلو الآخر بفضل القيادة الحكيمة لهذا الرجل.

ما استوقفني صراحة مجموعة من النقاط المهمة التي أحب أن ألقي عليها الضوء، واستدلل ما خلفها من معاني، هي بالتأكيد مفيدة لي كتاجر ومتابع للشأن الاقتصادي، واعتقد أنها مفيدة أيضا للعديد من القراء وخاصة المنتسبين للقطاع التجاري البحريني والخليجي.

  • بداية وفي أكثر من موقف خلال مسيرة الشركة طويلة سرد السيد فاروق المؤيد، كيف كان يتم تغيير المسارات والأساليب، وفتح أبواب جديدة للخروج من الأزمات وعدم الاستسلام لها، هذا حدث في حرب عام 67 عندما تم مقاطعة شركة “فورد” الأمريكية، ثم في حرب 73 أيضا، وكيف تم التوجه للسوق الياباني والآسيوي بشكل عام، لفتح أبواب رزق جديدة واستيراد احتياجات المواطنين من هناك، وعدم الاستسلام لظروف طارئة أو استثنائية لم تكن بيد التاجر ولا حتى البلد.
  • سياسة توسيع السوق وفتح الأسواق المجاورة .. وهي نقطة طالما اعتمدت عليها الشركة وكانت سرا من أسرار تفوقها وخاصة في توريد ماكينات الديزل للسوق السعودي والقطري الذي لم يعرف الكهرباء بعد في حينها، واستغلال موقع البحرين المركزي خير استغلال في “إعادة التصدير” لجميع دول الخليج المجاورة، وعدم الاكتفاء بالسوق البحريني الصغير المحدود الإمكانات التسويقية.
  • سياسة “العين المتقدة” أو الذهن المتقد، فمع كل تغير حاصل على المستوى الخليجي أو الإقليمي أو العالمي كانت الشركة تستفيد منه تجاريا بشكل واضح، وهذا حدث مع دخول الكهرباء للبحرين فكانت أول من أدخل المراوح والثلاجات وأجهزة التليفزيون للمملكة، ثم مع ثورة النفط فبات التوسع في تجارة السيارات، ثم مع ثورة التكنولوجيا فبات هناك شركات لخدمات تقنية المعلومات والحوسبة، وهكذا كان المغفور له السيد يوسف خليل المؤيد، ومن بعده السيد فاروق المؤيد على متابعة مستمرة للتغييرات الطارئة على المجتمع وأساليب سلوكه الشرائي واحتياجاته المعيشية ومتطلبات ذلك، فيتم تحويل هذه الرؤية إلى تجارة ناجحة، وهذا هو الدرس والفارق بين تاجر ذكر متابع ممتقد الذهن، وآخر كسول غير مهتم يؤدي به كسله في النهاية إلى تضييع شركته أو إضعافها.
  • نقطة أخرى توقفت عندها كثيرا، وهو ما ذكره السيد فاروق المؤيد عن رحلة والده إلى بريطانيا لجلب أول وكالة تجارية لشركته، وكيف كانت صعاب الرحلة ومخاطرها، وأنه استقل مع مجموعة من أصدقاءه كبار تجار البحرين في حينها “طائرة مائية” لأن البحرين لم يكن بها مطار في ذاك الوقت، وأن تخاطر مثل هذه المخاطرة وغيرها الكثير في طلب الرزق يبين الفارق الواضح بينه وبين التجار الذين لا يفعلون شيئا إلا الشكوى وإلصاق أسباب الفشل بالغير سواء كانت الدولة أو مؤسساتها أو الظروف أو غيرها من مبررات عديدة، ولك أن تقارن مصاعب الزمن الفائت بالتسهيلات العديدة المتوفرة حاليا من تكنولوجيا وانترنت ووسائل اتصال قربت العالم أجمع، وطيران سريع متنوع الاتجاهات والمسارات ربط العالم من شرقه إلى غربه، ولعلني أعتقد أن ما نعيشه حاليا من رفاهية وسائل الاتصال والتواصل كان يعتبره الأجداد دربا من دروب الخيال، فمن ذا الذي يتوقع ممن ذهبوا في هذه الرحلة الشاقة إلى لندن أن بإمكانهم اليوم الذهاب والعودة مباشرة في خلال يوم واحد لحضور اجتماع مثلا أو توقيع صفقة والعودة فورا !! ، بلا طائرة مائية ولا الصعاب العديدة التي لاقوها في حينه.
  • نقطة أخيرة هي رؤيته للمستقبل، فالرجل الذي حقق هذا النجاح الباهر يسلم قيادة الشركة إلى الجيل الثالث من الأبناء ليرى “على عينه وفي حياته” كيف سيديرون هذه المؤسسة الضخمة العملاقة الممتدة الأطراف المتنوعة القطاعات؟، بل ويساعدهم ويمدهم بالخبرة والمعرفة والنصح والإرشاد، كل هذا جميل لا خلاف عليه، ولكن ماذا إذا فشلوا في إدارتها ؟!

هنا تفسح الأبوة والحنان والعطف وكل هذه المفردات الإنسانية الجميلة المجال تماما لرؤية وذهن التاجر العملاق، فكان رده الحاسم والمباغت والصريح “سنبيعها في حياتنا ولن نقبل أن تسقط أو تنهار”، رد في مجمله حكمة بالغة وحرص أشد على تاريخ وتعب السنين والمجد الذي تأسس فبات من الأفضل له أن يطرح في البورصة مثلا ليديره آخرين بدلا من أن ينهار الصرح العملاق وتاريخه معه.

*رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى