مقالات تهمك

العالم يريد التصدير .. والصين تريد الواردات !!‏

بقلم – أحمد صباح السلوم :‏
كثيرا ما يصادفنا مصطلح “عجز الميزان التجاري”، وهذا المصطلح يعني أن الواردات التي ‏تقوم الدولة باستيرادها أكبر من البضائع والسلع والخدمات التي تصدرها للخارج، فيحدث ‏عجز في “الميزان” بين الصادرات والواردات، وجميع الدول العربية تعاني من هذا العجز ‏بين صادراتها ووارداتها، وعدد كبير من دول العالم ينطبق عليه مثل هذا الكلام، وهو ما يعد ‏مؤشر ضعف اقتصادي.‏
وبالطبع هناك دول محدودة تكون صادراتها أكبر من وارداتها وهو دليل على صحة اقتصاد ‏هذه الدول وقوتها المالية، ويسمى هذا الأمر “فائض تجاري” أو “فائض في الميزان التجاري”، ‏وتعد الصين والولايات المتحدة على رأس هذه الدول بما عرف عنهما من قوة اقتصاد، لكن ‏الطريف في الأمر وما استدعاني لكتابة هذا المقال أن الصين لا ترغب فى السعى وراء ‏الفائض التجارى، بل تسعى الى توسيع الواردات بشكل أكبر للوصول الى التوازن التجارى ‏من خلال تحسين نظام وسياسات الاستيراد !!‏
نعم.. العالم كله يسعى إلى زيادة صادراته إلا الصين تسعى لزيادة وارداتها، ولعل هذه المفاجأة ‏التي تأكدت منها عندما حضرت لقاء للقائم بأعمال سفارة جمهورية الصين الشعبية المعتمدة ‏لدى المملكة‎ Lin Zheming ‎، لدى زيارته للسيد سمير ناس رئيس غرفة تجارة وصناعة ‏البحرين التي قام بها مؤخرا لبيت التجار بحضور عدد من أعضاء المجلس، الرجل كان ‏‏”واضحا” إلى حد أذهلني، وقال بمنتهى الوضوح خلال اللقاء “نحن الآن معنيون بزيادة ‏وارداتنا أكثر من صادراتنا، لقد أثبتنا جدارة كبيرة في مجال الصادرات، غير أن الميل الكبير ‏في الميزان التجاري لصالحنا بات يقلق صناع القرار في بلدنا، أي أرقام مبالغ فيها حتى لو ‏بالإيجاب تعد ظاهرة غير صحية !!، لا يمكن تحقيق المنافع المتبادلة والتنمية المستدامة الا ‏بتحقيق التجارة المتوازنة والمنسقة وان هذا خيار سياسي صينى، الإجراءات التي تتخذها ‏الصين لتشجيع توسيع الواردات ليست إجراءات مؤقتة لتعزيز توازن التجارة وتحسين بيئتها، ‏بل إنها خيار إستراتيجى حسب حاجات الصين لتنمية اقتصادها”.‏
المسئول الصيني قال أيضا أن بلاده ستدعم أي نشاط استثماري بداخلها يقوم به الأجانب.‏
بالطبع الكلام كان غريبا على الرغم من معقوليته بالنسبة إليهم، وبالنسبة لمن يدقق ايضا في ‏مضمون هذا الكلام ومغزاه.. بعدها ذهبت ابحث عن أسباب هذا “التوجه الصيني الجديد”، ‏والتحول من أكبر دولة مصدرة في العالم أجمع إلى دولة تبحث عن دعم الواردات والموردين.‏
أهم ما قيل في هذا الصدد أن الصين شهدت تطورات سريعة للغاية على صعيد التجارة ‏الخارجية منذ انضمامها الى منظمة التجارة العالمية قبل 15 سنة تقريبا، وتحولت ‏إستراتيجيتها لتنمية التجارة الخارجية من الاهتمام بالتصدير و”إهمال الاستيراد” إلى الاهتمام ‏بالتصدير والاستيراد معا وتعزيز التنمية المتوازنة للتجارة الخارجية‎.‎
كان هذا خيارا سياسيا صريحا ورفعت الدولة شعار “سنهتم بالواردات أيضا، لا يجب أن يكون ‏هناك ميلا للميزان التجاري بهذا القدر”، وبناء عليه سارعت الصين إلى فتح أسواقها وتنفيذ ‏اجراءات ميسرة تجاه التجارة الخارجية، فباتت سوق رئيسية لصادرات اليابان والاتحاد ‏الأوروبى وأستراليا والولايات المتحدة.‏‎.‎‏ فأصبحت الصين ثانى أكبر دولة مستوردة فى العالم !!‏
ووضعت الصين سياسة الاهتمام بالتصدير والاستيراد فى موقع مهم اعتبارا من عام 2012 ‏وطرحت سلسلة من الاجراءات تهدف الى توسيع حجم الاستيراد، حيث أصدرت الصين قائمة ‏بالتكنولوجيا والمنتجات التي تشجع استيرادها وسهلت إجراءات التصدير، وعدلت أكثر من ‏مرة الرسوم الجمركية المؤقتة لاستيراد بعض المنتجات وخفضت بشكل كبير الرسوم ‏الجمركية المؤقتة للواردات ومن بينها النفط المكرر‎.‎
وخفضت الصين مستوى الرسوم الجمركية للواردات الى 9.8% حسب تعهداتها عند ‏انضمامها الى منظمة التجارة العالمية، وهذا أقل من متوسط المستوى فى الدول النامية والذى ‏يصل الى 46.6%. كما بدأت الصين تنفيذ التعريفة الجمركية الصفرية تجاه الدول الأقل نموا ‏ابتداء من أول يوليو عام 2012م. وفيما يتعلق باجراءات الغاء الرسوم الجمركية، ألغت ‏الصين ادارة تراخيص الاستيراد الأوتوماتى لأكثر من 800 نوع من البضائع المشمولة ‏بالرسوم‎.‎
إذن هناك توجه صيني جديدة، نحن غالبا لا ندري عنه شيئا، أو لنقل أن عدد محدود جدا من ‏تجار البحرين يدري بهذه التغييرات الجذرية في السياسة الصينية ، والسؤال “ماذا سنستفيد من ‏كل هذا؟”.‏
لا شك أن هناك فائدة طبعا إذا كان لديك ما تصدره كتاجر بحريني سواء ما تقدمه كان منتجا أو ‏خدمة.. بكل تأكيد يمكنك أن تستفيد من هذه التسهيلات التي وصلت إلى حد أن الصين بدأت ‏فعليا تنظيم معرض دولي للاستيراد (وليس للتصدير) سيقام خلال نوفمبر من العام الجاري ‏‏2018 ، بمعنى أن المعرض – وهو الأول من نوعه – سيكون فرصة جيدة أمام الشركات ‏البحرينية لعرض منتجاتها أو خدماتها، كما سيتيح لها التواصل مع كبار التجار والمستثمرين ‏المشاركين في المعرض من الصين ودول العالم‎.‎
الصين تفتح أبوابها .. فهل من طارق ؟!‏

‏* رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى