مقالات تهمك

التسوق الأخلاقي

بقلم – أحمد صباح السلوم*

تناولنا في المقال السابق التطورات المذهلة التي تقودها ثورة التكنولوجيا على صعيد القطاعات الاقتصادية المختلفة وأن الأفكار باتت اقتصادا في ذاتها، فالفكرة تقيم شركة وتحقق المليارات من الأرباح، ومع هذه الثورة باتت هناك العديد من الوظائف المهددة بالانقراض نتيجة للاستغناء المحتمل عن العنصر البشري في المنظومة الاقتصادية لصالح الأدوات والماكينات التي تقودها التكنولوجية فائقة التطور، مع تطور مذهل في أساليب ووسائل الاتصال الدولية حتى بات مصطلح “العالم قرية صغيرة” الذي أطلق منذ أكثر من نصف قرن واقعا ملموسا نعيشه بكل تفاصيله في الفترة الراهنة.

لقد أطل علينا مصطلح “التسوق الأخلاقي” وهو المصطلح الذي يسعى إلى خلق “تعادل” في الموازنة الاقتصادية، وتحقيق عدالة ولو محدودة بين كفتي الميزان، المصطلح ببساطة خرج من فكرة أخلاقية ويعني أن يكون شراءك “التسوق” بهدف “أخلاقي” بحيث تدعم من خلف هذا السلوك الشرائي قيم أو أهداف نبيلة وتحافظ على أرزاق بعض الفئات التي تحتاج للدعم (شراء منتجات ذوي الاحتياجات الخاصة مثلما اشترى وسوق رئيس وزراء كندا الحالي جاستن ترودو مؤخرا لشركة جوارب يملكها شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة)، مؤسسات لها نشاط مجتمعي مؤثر (شركات أو تجار معروف عنهم دعم المرضى غير القادرين وجمعيات الأرامل والأيتام والغارمين وغير ذلك) ، تحافظ  من خلال هذا التسوق على اقتصاد بلدك (دعم المنتج المحلي والمزارع المحلي والصانع المحلي) هناك بالفعل بعض الأنشطة والمعارض في البحرين التي تركز على دعم المزارعين المحليين لكنها تحتاج إلى تجاوب أكبر من الجمهور، تحافظ على مهن بعينها من الانقراض وخاصة المهن والحرف اليدوية التي تتميز بها كل دولة والتي يطلق عليها المهن التراثية (كدعم صانعي الفخار في عالي بالبحرين وهناك العديد من الأمثلة حول العالم في دعم صانعي الجلود والملابس وبعض العدد والأدوات التي تصنع يدويا كالأرابيسك والنحاسيات والأعمال الخشبية وغير ذلك).

في الفترة الأخيرة بدأ المصطلح يأخذ منحنى آخر مع ظهور الشركات الدولية العملاقة مثل أمازون وما شابهها، البعض أشار إلى الخطورة الكبيرة التي قد يمثلها ظهور هذه الشركات على المتاجر المحلية بعدما انتشرت ظاهرة التسوق الإلكتروني على نطاق واسع وتحولت هذه الشركات من “وسيط” بين التاجر والمستهلك، إلى وسيط وتاجر في نفس الوقت، وبدأت شركة مثل “أمازون” تستحوذ على متاجر وشركات في الولايات المتحدة وخارجها وبوتيرة متسارعة ناتجة عن المكاسب الكبيرة التي تحققها الشركة ومالكها جيف بيزوس الذي بلغت ثروته 131 مليار دولار.

عمليات الاستحواذ على المتاجر الكبرى والتحول من البيع والشراء التقليدي إلى الشراء الإلكتروني غالبا ما يوازيها عمليات واسعة من الاستغناء عن العمالة في المتاجر من خلال تقليل أعداد الموظفين أو غلق بعض الفروع، في بعض الأحيان تطور الأمر في مواجهة الشركات الإلكترونية إلى خروج كامل لبعض المتاجر من السوق!!

الأدهى أن تقوم بعض هذه الشركات الإلكترونية العملاقة بعمل عقود “احتكارية” لبعض الماركات والبضائع بحيث لا يتم تسويقها إلا من خلالها فقط !! ربما يوجد هذا على المدى القصير خفض واضح في أسعار السلع، ولكن على المدى البعيد وبعد خروج المتاجر الصغيرة من السوق سيكون المستهلك وحيدا في مواجهة هذه الكائنات العملاقة المفترسة، وربما تتحكم في فرض الأسعار عليه وزيادتها بشكل خيالي لانعدام المنافسة !!

دعاة “التسوق الأخلاقي” يؤكدون على خطورة الظاهرة التي بدأ بالفعل ينتج عنها العديد من مظاهر البطالة والإفلاس لصغار التجار والموردين والوسطاء في بعض الأسواق المحلية، ومع كل خروج تتضاعف ثروات هذه الشركات العملاقة.. ونبه هؤلاء المهتمون بمصطلح “التسوق الأخلاقي” إلى خطورة تجمع المليارات في يد شخص واحد بدلا من توزيعها على المئات والآلاف من المتاجر والشركات حول العالم، وهو ما سيخلق خلل مجتمعي غير قابل للجدال.

لكنهم أكدوا أن خلق “الوعي المجتمعي” بالظاهرة ربما سيكون له آثارا إيجابية على الوضع الاقتصادي والمجتمعي بشكل عام من خلال تشجيع الناس على الحفاظ على اقتصادياتهم الوطنية ومصادر الرزق لابناء وطنهم، والتأكيد على أن خسارة بسيطة حالية أفضل من خسارة فادحة مستقبلا !!

*رئيس جمعية البحرين لتنمية االمؤسسات الصغيرة والمتوسطة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى