مقالات تهمك

إصلاح السوق قبل فرض المزيد من الرسوم

بقلم – أحمد صباح السلوم*

من الواضح للجميع الآن أن هناك عشرات الرسوم التي شهدت تعديلات (جميعها بالزيادة طبعا) خلال العام الماضي، ولا شك أيضا أن زيادة هذه الرسوم كان له تأثير كبير على الأعمال والقطاعات التجارية المختلفة في المملكة، وتشير التقديرات إلى أن الرسوم التي شهدت تعديلات تقدر بأكثر من 300 رسما في العام المنتهي 2016 وهو رقم ليس بهين خاصة إذا ما علمنا أن بعض الرسوم تتجاوز الزيادة فيها أو التعديلات ما يقدر بنحو 800% من الرسم القديم، وهناك بالطبع نسب أقل من ذلك، لكن أغلب نسب الزيادة لا تقل عن 100%، وهناك تقريبا 8 وزارات وجهات حكومية أصدرت قرارات تتعلق برسوم الخدمات التي تقدمها، وتأتي على رأسها وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني التي تستحوذ تقريبا على نسبة الثلث من بين هذه االرسوم !!

ثم وزارات أخرى مثل الصحة والعدل والشئون الإسلامية، وزارة الداخلية، وزارة المواصلات، وزارة الصناعة والتجارة والسياحة، والمجلس الأعلى للصحة ومصرف البحرين المركزي.. ويتوقع أن تنضم وزارات أخرى إلى قائمة الجهات التي ستعدل أسعار الخدمات والرسوم خلال العام الحالي 2017 الذي استهلته وزارة المواصلات بزيادة رسوم السفر من مطار البحرين ورسوم أخرى متعلقة بشركات الطيران واستحدثت رسوما جديدة على الركاب العابرين “الترانزيت”، واعتقد أن الباب مفتوح أمام المزيد من الابتكارات في هذا الشأن.

وشملت التعديلات الأخيرة مهناً ومؤسسات مختلفة وأثرت عليها بشكل مباشر، وهو ما تابعناه جميعا من خلال شكاوى هذه القطاعات الاقتصصادية وغير الاقتصادية (كالمحاماة) في الصحف، منها شركات النقل والعيادات والمستشفيات الخاصة والفنادق ومطورو العقارات والوسطاء والمكاتب العقارية والشركات والعاملون في خدمات السمسرة المالية ومشغلو أسواق المال.

اعتقد أن هناك فكرة ربما تكون جديرة بالدراسة من قبل متخذي القرار ، لتعديل بعض الرسوم وهو تطبيق مبدأ “الغرامات بديلا للرسوم” وليس الاثنان معا حتى لا تستخدم هذه الفكرة في وضع المزيد من الأعباء على التجار.. لأن الهدف منها هو إصلاح السوق وتقويته من خلال خفض عدد المخالفين إلى أقصى حد ممكن، وبالتالي إيجاد أساس قوي للسوق يمكن البناء عليه.

الغرامة توقع على غير الملتزم ويمكن أن تضاعف كلما تكررت المخالفة، وهذه الفكرة تطبق في العديد من بلدان العالم وأوروبا منها على وجه الخصوص، لأنه يحقق من وراءها مجموعة من الفوائد سنذكرها في عدة نقاط :

  • عدم المساواة بين الشخص الملتزم بالقوانين والتشريعات وبين الشخص المخالف، فزيادة الرسوم تشمل الجميع وتضع أعباء إضافية بدون تفرقة بين الملتزم وغير الملتزم، الذ يتحمل أعباء تنفيذ القانون وبين المخالف للقانون، لكن الغرامة تقتصر على المخالفين فقط، وبالتالي أنت تحفز على الالتزام بالقانون بشكل غير مباشر.
  • زيادة مدخولات الدولة من المخالفين عقابا صريحا لهم على سعيهم للحصول على دخول إضافية بدون وجه حق وبالمخالفة للقانون، فالمخالف الذي يفتح محله مثلا لفترة أطول من المصرح له بها سيلتزم لأن المخالفة ستكون أكبر من الربح الذي حصل عليه خلال الفترة التي خالف فيها القانون، والمطعم الذي يخالف المعايير المطلوبة تقليصا للتكلفة سيرتدع عندما يدفع الغرامة ويتأكد أن توفيره ذهب هباء، وهكذا.
  • الدولة لا تستفيد شيئا من قرارات الإغلاق، بل ربما تخسر الرسوم والضرائب التي تدفع على الأنشطة التي تم غلقها، ولكن الغرامة تفيد الدولة وتقوي مدخولها وتحافظ على النشاط الاقتصادي من الغلق، وما يترتب على ذلك من تسريح للعمالة لفترات مؤقتة أو دائمة وما يتتبعه أيضا من مشكلات اجتماعية واقتصادية.
  • يجب الالتفات في هذه النقطة إلى أنه يوجد بعض الاستثناءات المتعلقة بالأنشطة التي تضر بسمعة الدولة، وفي الحقيقة أن هذه الأنشطة لا يجب أن تعامل من قبل وزارات أو جهات إدارية بالرسوم والغرامات، بل يتم معاملتها من قبل وزارة الداخلية حال ثبوت أي مخالفة ترتكبها هذه الجهات، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لكن أجهزة الدولة الأخرى لا يجب أبدا أن تستعمل سلطة “الإغلاق” في مواجهة مخالفات مثل تأخير فتح المحل أو ارتفاع صوت المكبر أو عدم تخصيص أماكن لغير المدخنين، أو عدم تخصيص أماكن كموقف للسيارات وغيرها، فهذه مخالفات يغرم عليها ولا تستدعي الغلق، وإن وجد قانون في هذا الشأن يجب العمل على تغييره.
  • إشعار التجار الملتزمين بالقانون بشيء إيجابي يتمثل في إعفاءهم من الرسوم – بفرض أننا سنستبدل الرسوم بالغرامات كما أوضحنا – وهذا في حد ذاته يحفزهم على المزيد من العمل والتطوير.. ويقلل من فاتورة التزاماتهم بحكم أنهم يدفعون كافة المستحقات المفروضة عليهم لجهات الدولة المختلفة.

إجمالا مبدأ “فرض الغرامات” على المخالفين أراه أفضل وأكثر عدالة وقدرة على تصحيح أوضاع السوق.

في ختام هذا المقال أؤد التأكيد على أن السوق يمر بظروف استثنائية لا تخفى على أحد وبالتالي يجب النظر بشكل كلي للشأن الاقتصادي، وكيفية إدارته بالحد الأدنى من الخسائر وبالحد الأقصى من المنفعة المتوقعة، والله الموفق.

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى