مقالات تهمك

«التنمية المستدامة».. بين طموح المسؤولين وغموض المصطلح

*بقلم: د.هالة جمال

رغم الانتشار السريع لمصطلح «التنمية المستدامة» منذ بداية ظهوره وحتى الآن، فإن هذا المصطلح مازال غامضا لدى البعض، ومازال يفسر بطرق مختلفة من قبل البعض الآخر، وما زال كثيرون لا يدرون فائدة التنمية المستدامة عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر. وكيف تصب في مصلحتهم سواء كانوا مواطنين عاديين، موظفين، مسؤولين، تجارا أو غير ذلك؟؟
لقد استحوذ موضوع «التنمية المستدامة» على اهتمام العالم خلال السنوات الماضية وخاصة على مستوى متخذي القرار، وذلك على جميع الأصعدة سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، حيث أصبحت «التنمية المستدامة» مدرسة فكرية عالمية تنتشر في معظم دول العالم النامي والمتقدم على حد سواء، تتبناها هيئات شعبية ورسمية وتطالب بتطبيقها فعقدت من أجلها القمم والمؤتمرات والندوات.
سنحاول في سلسلة من المقالات عن التنمية المستدامة شرح هذا المصطلح لعموم القراء الكرام في البحرين، بعد أن بات يغزو أجندتهم اليومية بشكل غزير، وسنسعى جاهدين إلى تفسير آلياته، وتفنيد أدواته، وشرح أهدافه.
ولعلنا نعود بالسنوات قليلا إلى الخلف حتى نستطلع منشأ هذا المصطلح. لقد ظهر مفهوم التنمية المستدامة، بقوة أواخر القرن الماضي ليحتل مكانة مهمة لدى الباحثين والمهتمين بالبيئة وصناع القرار ويعود هذا الاهتمام إلى الضغوط المتزايدة على الإمكانات المتاحة في العالم المتقدم ودول العالم الثالث، لكن في حقيقة الأمر كان النمو الديمغرافي والتنمية الاقتصادية من جهة واستعمال الموارد البشرية من جهة أخرى أهم الظواهر التي لازمت البشرية في تطورها عبر الزمن.
وقد عرف مفهوم التنمية تغيرات عبر الزمن حيث اختلف الاقتصاديون في تحديد مفهوم التنمية، وهناك من يصنفها بأنها عملية نمو شاملة تكون مرفقة بتغييرات جوهرية في بنية اقتصاديات الدول النامية وأهمها الاهتمام بالصناعة.
في حين أن البنك الدولي يضع تصورا آخر للتنمية حيث يصنف العالم وفقا للدخل الوطني الإجمالي للفرد على أساس أربعة معايير، هي: الدخل المنخفض، المتوسط، العالي، الأعلى.
غير أن هذا المقياس مشكوك في مصداقيته فهناك عدد من الدول تنعم بالدخل الفردي المرتفع لكنها تتميز بسوء توزيعه ما يفرز الفقر والبطالة مثل: البرازيل في نهايات القرن الماضي، حيث كان معدل النمو السنوي في الناتج الوطني الإجمالي 5.1% من سنة 1960 إلى 1981. أما الدخل الوطني لـ 40% من الفئات الفقيرة من السكان فقد انخفض خلال الستينيات من 10% إلى 8% بينما ارتفعت حصة 5% من الأغنياء من 29% إلى 38%.
وباختصار فإن الاقتصاديين عاملوا التنمية في الماضي على أنها قضية لا تزيد على كونها أكثر من تدريبات وممارسات وتطبيقات في علم الاقتصاد التطبيقي منفصلة على الأفكار السياسية واستبعدوا دور الأفراد في المجتمع، ومن ثم فإن النظرة التقليدية للتنمية ركزت على القضايا التنموية وأغفلت جوانب لها دور جوهري في حياة البشرية حاضرا ومستقبلا؛ أي إن الإمكانيات المتاحة لا يمكن تسخيرها للأجيال الحاضرة فحسب، بل يجب التفكير في كيفية استفادة أجيال المستقبل أيضا.
لذلك فإن تعريف موسوعة «ويكيبيديا» للتنمية المستدامة هو الأقرب من وجهة نظري للفهم الصحيح لهذا المصطلح، وقد قال التعريف إنها «عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها. ويواجه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه مع عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتماعي».

*رئيس مبادرة «مسار» للتنمية المستدامة

جريدة أخبار الخليج _ الاثنين ٠٤ مارس ٢٠١٩ – 01:15

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى